القائمة الرئيسية

الصفحات

خطبة التأمين على الحياة ونهاية العام الهجري ذو الحجة

 

خطبة التأمين على الحياة ونهاية العام الهجري ذو الحجة

الحمد لله ثم الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونؤمن به ونخضع له، ونخلع ونترك من يكفره، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفِد، سبحانك نرجو رحمتَك ونخشى ونخاف عذابك، إنَّ عذابَك الجِدَّ بالكفار مُلْحق. 


 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، نعم المولى ونعم النصير.


من أراد مؤنساً فالله يكفيه، ومن أراد الغنى فالقناعة تكفيه، ومن أراد حُجةً فالقرآن يكفيه، ومن أراد واعظاً فالموت يكفيه، ومن لم يكْفِهِ شيءٌ من ذلك فالنار تكفيه.

اعملْ لله بقدْر حاجتك إلى الله، واعملْ للدنيا بقدْر مقامك في الدنيا، واعملْ للآخرة بقدْر بقائك الطويل في دار الآخرة، واعملْ للجنة بقدر شوقِ قلبك إلى نعيم الجنة، واعملْ للنار بقدْر صبْر جسدك على حرِّ النار.


سبحان ربي! ما أعظمَه وما أحلمَه وما أكرمَه!


فهو الذي أوجَدَ الأشياء وقدَّرَها       وهو الذي يرحم العاصي ويَسْتُرُهُ

يُخفِي القبيحَ ويُبْدِي كُلَّ صالحةٍ        ويَغْمُـــرُ العبــــدَ إحساناً ويَشْكُرُهُ

ومــن يلــوذُ بــهِ فـي دفْـعِ نائبةٍ        يُعْطيهِ مِــنْ فضلهِ عِزاً ويَنْصُرُهُ

فنســألُ اللهَ جمـعاً حُسْـنَ خاتمـةٍ       عنـــد الممات وصَفْــواً لا يُكَـدِّرُهُ


وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا وحبيبنا وخليلنا وشفيعنا وقدوتَنا محمداً رسولُ الله:

يا سيدي يا أبا القاسمِ يا رسول الله.


الحقُّ أنتَ وأنتَ إِشراقُ الهُدى      ولك الكتابُ الخالدُ الصَّفحاتِ

مَـــنْ يَقْصُدِ الدنيا بغيرِكَ يَلْقَهَا      تِيْهًا مِـــنَ الأهوالِ والظُّلماتِ

لمَّــا أرادَ اللهُ جَـــلَّ جـــــلالُـهُ      أَنْ يُنْقِــذَ الدُّنيا مِــــنَ العَثَرَاتِ

أهـــداك ربُّكَ للورى يا سيِّدي      فَيْضًا مـن الأنوارِ والرَّحَمَاتِ


اللهم فصلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الأطهار، وصحابته الأخيار، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وعن التابعين وتابعيهم وعنا ومعهم برحمتك يا أرحم الراحمين.


وصيتي لنفسي وإياكم يا عباد الله بتقوى الله، فاتقوا الله وخافوه وراقبوه، ولْنعلمْ جميعا علم يقين أننا جميعا بين يَدَيْ ربنا موقوفون، وعلى أعمالنا محاسبون، وعلى تفريطنا نادمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. 


اللهم ارفع حجاب الغفلة عن قلوبنا، وارفع الشرود من أذهاننا، وارفع النعاس وقت الخطبة من أعيننا، واجعلنا جميعا مع الذكرى ممن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد:

أما بعد:

فيا معاشر الإخوة المؤمنون: فسنقف في هذا اليوم مع موضوع نهاية العام الهجري والتأمين على الحياة.

ونقاط خطبة هذا اليوم هي:


أولاً: قصةٌ يرويها الواقع.

ثانياً: من أنواع التأمين.

(ا) التأمين على النفس:

- التأمين بإخلاص العمل لله عزَّ وجل.

- التأمين بِــ (تعرَّفْ على الله في الرخاء يعرفْك في الشدة).

- التأمين بما سبق لك من خير:

- التأمين بالصدقة والمعروف:

(ب) التأمين على حياة الذرية والأهل:


 أولاً: قصةٌ يرويها الواقع. 

ذهبتُ مرَّةً إلى أحد المجالس ومكثتُ فيه ما شاء الله أن أمكثَ فيه، وعندما عزمتُ على القيام من هذا المجلس التفتُّ بعد قيامي منه لعلي أكونُ قد فقدتُّ شيئاً تركتُهُ أثناءَ جلوسي في المجلس.


 ومثل هذه القصة والحادثة تتكرَّر في غير هذا المجلس. 


حتى لو ركبَ أحدنا سيارةً فقبْلَ أن ينزلَ مِنْ على الكرسي يلتفتُ لعلهُ فقدَ شيئاً من متاعهِ أو جَوَّالهِ أو غيرِ ذلك كما هو المعْتاد عند الكثير.


وبالطبعِ فإن الأشياء التي نتفقدُها تكون أشياء مادية مثل المال أو الهاتف أو بعض السِّلع.


ولكنَّ الذي اسْتَوْقَفَني كثيراً هو أنِّي سألتُ نفسي: كم مِنَ المجالس قد جلسنا فيها! 


وكم من الطرقات قد سِرْنا فيها! 


والشيء المُخيف أننا كثيراً من المرَّات نفقد في هذه المجالس أو الطرقات أو غيرها حسناتٍ نقدمها هديةً باردةً لشخصٍ اغتبناهُ وتَكَلَّمْنا عليه بِسُوء ولم نلتفتْ في نهاية المجلس أننا قد فقدْنا شيئاً ثميناً لم نُبالِ به.


كم من مجالسَ أو أماكن قد جلسناها فظَلمْنا فيها الآخرين، فَسَلبَ الله منا حسناتٍ قد عملناها ليجعلها في ميزان حسنات من ظلمناهم، سواءً كان الظلم نهْبُ حقٍّ، أو استطالةٌ على عِرْضٍ، أو خوضٌ في عارٍ لقومٍ ما كان لنا أن نخوض في باطلٍ يسلبني أعمال برٍّ عملناها. 


كم مِن مجالس قد جلسناها وضاعتْ علينا فيه ساعةٌ غفلنا فيها عن الله! 


كم من أناسٍ يمكثون في مجالسَ فتمضي عليهم صلاةٌ ينتهي وقتها ولم يصلوها!

 

ألم يقوموا من مجلسهم وقد فقدوا شيئاً ثميناً هو أعزُّ عليهم من العافية التي يتمتعون بها؟


 ألم يفقدوا دينهم؟


يقول الحسن البصري: يا بن آدم، دينك دينك، فإنما هو لحمك ودمك، فإن تسلم بها فيَالَها من راحة! ويالها من نعمة! وإن تكن الأخرى- ونعوذ بالله- فإنما هي نارٌ لا تُطفأ، وحجرٌ لا يبْرُد، ونفسٌ لا تموت. (1).

أي: اِلزمْ دينك فهو شحْمُك ودمك، فإن الدين إن يسلم لك فيالها من راحةٍ لك في جنةٍ عرضها السماوات والأرض، وأما إن لم يسلمْ لك الدين فإنما هي جهنم، نعوذ بالله من غضبِه وعقابِه وأليمِ عذابِه.


أيها الإخوة:

إننا في هذه الجمعة نودِّع آخر جمعةٍ في عام ألفٍ وأربعمائةٍ واثنين وأربعين للهجرة النبوية.

وإن الذي تَحدَّثْنا عنه في القصة اليسيرة هو مجلسٌ واحد، فما بالُكَ بعامٍ كاملٍ يطوي متاعه ليفارقنا إلى الأبد وبغير عودة.


وإذا كنا في مجلسٍ واحدٍ فربما فقدْنا ساعاتٍ غفلنا فيها عن الله.

وفقدْنا فيها حسناتٍ كانت قد كُتبتْ لنا، ففقدناها في مجلسِ ظلمٍ أو استطالةٍ على الأعراض بغيبةٍ وغيرها.

وإذا كان هذا عن مجلسٍ واحدٍ فما بالكَ بعامٍ بأكمله؟


في هذا العام الذي سنفارقه، كم من فرائض  قد ضُيِّعتْ؟ كم من أرحامٍ فيه قُطِّعتْ؟ كم فيه من حقوقٍ قد نُهبتْ؟ كم من حسناتٍ قد أُهْدِرَتْ؟ 


وكم من أيامٍ وليالي فيه مضَتْ ولم نزددْ لله قرْباً!


 وكم فيه من أوقاتٍ رَحَلَتْ عنا بلا فائدة! بل أزهقناها في القيل والقال، وإضاعة الحال والعمر والمال، ورُبَّما في إغضاب اللهِ الملكِ المتَعال! 


وبنفس الوقت – عند منْ وفَّقهم الله- كم من أعمالٍ صالحةٍ عملْناها زادتْ من رصيدِ إِرضاءِ ربِّنا سبحانه وتعالى، نسأل الله أن يوفقنا وأن يتقبلَ منا.

والعملُ الصالح الذي يقوم به المسلم عبارة عن كنزٍ ثمين ينبغي على العبدِ المؤمن الاحتفاظ به أكثر مما يحتفظ بالثمين من ماله.


فهذا حاتمٌ الأصم رحمه الله تعالى يقول لشيخه شقيق البلخي عندما سأله عن ماذا استفادَهُ من تعلُّم ثلاثين سنة، فذكرَ له أنه استفاد ثمانَ مسائل، ومنها قوله:

أني نظرت إلى الخلْق فرأيت أنّ كلّ من معه شيءٌ له قيمة حَفِظَهُ حتى لا يضيع ثم نظرْتُ إلى قول الله تعالى: "ما عندكم يَنْفَدُ وما عند اللهِ بَاقٍ " فكلما وقع في يدي شيءٌ له قيمة وجَّهْتُه إلى الله لِيَحْفَظَهُ عنده.


أيها الإخوة المؤمنون:

إننا في واقعنا اليومي من كان له شيءٌ مادي ثمينُ يَحْتَفِظ به ويحتاط ليُؤَمِّنَ نفسه في مستقبل عمره إذا هو احتاج. 

والأعمال الصالحة التي نعملها أليستْ كنزاً ينبغي أن نحتفظ به لنلقى ربَّنا وهو راضٍ عنّا؟

فنحن نحتاج إلى تأمين على أعمالنا الصالحة كي تبقى مضمونة.


بل نحتاج إلى تأمين على أنفسنا، وعلى ما أنعم الله له علينا، وعلى أهلينا وذرياتنا من بعدنا.

والمعنى أننا نحتاج إلى تأمين شاملٍ من ربنا سبحانه، ليكون اللهُ سبحانه وتعالى هو الضمان لنا؛ ليحفظنا وليكون دائماً عوناً لنا ولمَن بَعْدنا من ذرارينا  وأهلنا وأموالنا.

إذاً لا بدَّ من هذا التأمينٍ من نوعٍ آخر غير التأمين الذي تعرفه الشرائك، فما هو هذا التأمين؟ وما هي أنواعه؟


 ثانياً: من أنواع التأمين. 


 (ا) التأمين على النفس. 


 التأمين بإخلاص العمل لله عزَّ وجل. 

روى الإمام البخاري من حديث ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «خَرَجَ ثَلاَثَةٌ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمُ الْمَطَرُ فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ. قَالَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ادْعُوا اللَّهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ. فذكر الحديث وفيه عن رجلٍ بارٍّ بوالديه، والثاني عفَّ وترَك الزِّنا، والثالث أعطى الأجير أجره بعد أن نمَّى مال الأجير، وكل واحدٍ منهم أخلص لله بعمله، فكان 

كلُّ واحدٍ من الثلاثة يقول عن عَمَلِهِ الذي عَمِلَهُ: (اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا. فَكُشِفَ عَنْهُمْ). 


فقد وقعوا في ورطةٍ ولكن كان لهم من الأعمال الصالحة الخالصة لله فرَّجَ الله عنهم بسببها، فهم قد أمَّنوا على حياتهم بهذا التأمين الرباني.


فهل لنا نحن من خبيئة عمل بيننا وبين الله إن نحن وقعْنا في ورطة دعونا الله بهذا العمل الذي خبأناه له سبحانه، وأخلصنا له وحده؟



أيها الإخوة الأعزاء:

ومن أنواع التأمين الرباني:

 التأمين بِــ (تعرَّفْ على الله في الرخاء يعرفْك في الشدة). 

تأمين التَّعرُّف على الله في الرخاء هو ضمانٌ لك ليعرفك الله في وقت الشدة فيفرج عنك.


تَعَرَّفْ على الله في وقت صحتك يعرفْك وينقذك في وقت مرضك.


تَعَرَّفْ على الله في وقت غناك يعرفك وينقذك وقت فقرك وحاجتك.


تَعَرَّفْ على الله في وقت الأمطار والنعم ليعرفك ويغيثك وقت القحط.


تَعَرَّفْ على الله في وقت الأمن ليعرفك ويفرج عنك في وقت الخوف.


تَعَرَّفْ على الله في وقت السرور والأفراح يعرفك ويكشف كربك في وقت الحُزْن والأتْراح.


تَعَرَّفْ على الله في وقت فراغك يعرفك وقت شغلك.


وخلاصة الأمر: إذا أنعم عليك الله فلا تنْشغل بالنعمة وتنسى بسببها المُنْعم عز وجل فربما حَرَمك النعمة يوماً ما لأنها أشغلتْك عنه، وقد تدعو الله وقت انعدام النعمة فتتأخر استجابةُ الدعاء والسبب أنك لم تتعرف على الله وقت الرخاء، بل نسيت الله وانشغلتَ بالنعم التي أنعم بها عليك. 


أيها الإخوة المؤمنون: ومن أنواع التأمين:

 التأمين بما سَبَقَ لك من خير عملتَه في سالف حياتك: 

إن المؤمنين بالله عز وجل قدَّموا لأنفسهم ما يجعلهم يأمنون على أنفسهم ويستحقون قول الله عنهم: {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.

ولهذا يقول الله مبشراً كُلَّ مؤمنٍ: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ} يونس 2.


وامرأة فرعون ختم الله لها بالخير والإيمان، وضرب الله بها المثل كنموذج من نماذج القدوة الصالحة لكل مؤمن، ولقد أكرم الله امرأة فرعون بهذا التكريم لأنها قدَّمت كلمة دافعت بها عن نبي الله موسى عليه السلام وهو طفلٌ حين قالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} القصص 9.

فلم ينسَ الله لها معروفها فأماتها على الإيمان بالله سبحانه وتعالى وجعلها من أهل الجنة مع أنها امرأة فرعون.


وكذلك مؤمن آل فرعون الذي تُحَدِّثُنا عنه سورة غافر، فقد تآمر عليه آل فرعون ولكنْ {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} غافر 45. 


 ما الذي قدَّمه مؤمن آل فرعون حتى يكون الله معه؟

إنها كلمةٌ قالها في يومٍ من الأيام دَافَعَ بها عن موسى عليه السلام وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ} غافر 28.


 التأمين بالصدقة وفعل الخير: 

أخرج الطبراني ﻓﻲ اﻷﻭﺳﻂ  عن  أم سلمة  قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  (صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، والصدقة خفياً، أي: في السر والخفاء، تُطفىءُ غضب الرب ، وصلة الرحم زيادة في العمر ، وكل معروف صدقة ، وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة ، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة ، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف)  . 

 وفي روايةٍ أخرى:

(( إن صدقة السر تطفئ غضب الرب، وإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وإن صلة الرحم تزيد في العمر وتقي الفقر، وأكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة، وإن فيها شفاء من تسعة وتسعين داء أدناها الهم)) أخرجه الإمام الطبراني.


  وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيمَ لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.


 الخطبة الثانية 

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبدُ اللهِ ورسولُه.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وصيتي لنفسي وإياكم يا عبادَ الله بتقوى الله وطاعته، فاتقوا الله وخافوه راقبوه.

أما بعد:

فلا زلنا مع التأمين على الحياة بشكل شاملٍ، والقائم على هذا التأمين هو الله عز وجل:

ومن أنواع التأمين على الحياة:

 (ب) التأمين على حياة الذرية والأهل: 


{وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}.

ذَكَر الله في القرآن الكريم قصة غلامين صغيرين يتيمين ليس لهما من يدافع عنهما ، وكان أبوهما قد ترَك لهما مالاً جزيلاً سمَّاه الله في القرآن الكريم كنزاً، وكان الأب قد أخفى الكنز وراء جدار، ثم مات الأب ومع مرور الزمن بدأ الجدار بالانهيار، وكان مُقارباً للسقوط، أي: أن الجدار لم يكفِ لإخفاء المال من المتسلطين الذين لا يُبَالون بدموع الضعفاء واليتامى.

فما الذي حفظ الكنز بما أن الجدار لم يَعُدْ نافعاً؟ قال تعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} إنه صلاح الأب، هو الذي جعل الله يتكفل بحفظ الكنز حيث بعث الخضر عليه السلام لإصلاح الجدار.

يقول تعالى في سورة الكهف عن هذه الحادثة: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} الكهف 82.

ففي الآية دلالة واضحة على أن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته.

والله عز وجل يخبرنا في سورة النساء بنوعٍ من أنواع التأمين على الحياة على الأهل والذرية الذين يخاف عليهما من بعده الضياع فقال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا} النساء 9.

فقد يكون للرجل أولاد يقوم بكفالتهم وحمايتهم وتربيتهم، ولكنه إذا مات فمن ذا الذي يكفلهم ومن يحميهم؟ ومن يُرَبِّيهم؟ ومن يؤمِّن حياتهم؟

إذا أردنا أن نعرف ذلك فلنقرأْ الآية: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا} النساء 9.

من معاني الآية: إذا خاف المربِّي أو الوالد على أولاده من الضياع من بعد موته فليؤمِّنْ حياتهم بشيئين اثنين:

التأمين الأول: {فليتقوا الله} والتأمين الثاني {وليقولوا قولاً سديداً}.

وقد مات أحد الصالحين، وكان له ثمانون ألفاً أنفقها كلها عند موته، فقيل له: ماذا تركتَ لأولادك؟ فقال بلسان اليقين ومنطق الحق المبين: ادَّخرتُ مالي لنفسي وادَّخرتُ ربي لأولادي.


هذا وصلوا وسلِّموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه عموما بقول الله عز وجل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك سيدنا ونبيِّنا وحبيبنا محمدٍ الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
ابراهيم

إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق