طول الامل والاماني
ماهو طول الامل ؟
ها هي السنين تمر، والأعمار تنقضي، ومصائب الزمان لا تنقضي، ما من يومٍ يمر إلا وهو يحمل عبراً عِظاما، ولكن إلى من يحملها؟ و من يفهمها ؟
دروس تمر كل يوم، وعبر تسطرها الأيام ، وكأنها تقول للإنسان: اقرأ إن كنت تفهم وتعتبر.
كم هو مسكين هذا الإنسان يفتح عينيه في كل صباح على آمال كبيرة وعريضة، وينسى أنه مهما سعى لتحصيلها، فلن يدرك منها إلا ما كُتِب له؛ أحلام ذهبية، وآمال وردية، وتخيلات شهية، ثم لا يكون إلا القدر، ولا ينزل إلا قضاء رب البشر.
كم من آمال في هذه الدنيا علقت عليها الا فكار؟ وكم من أمنيات أفنيت عمرك في تحصيلها ؟
أتدري ما هو الداء العضال الذي حار الحكماء في دوائه، وأطال العلماء في وصفات شفائه؟
إنه داء طول الأمل، وقد وصفه الإمام القرطبي، فقال: "هو الحرص على الدنيا، والانكباب عليها، والحب لها، والإعراض عن الآخرة.
هذا هو طول الأمل، داء عضال، ومرض مزمن، ومتى تمكن من القلب اشتد مرضه ولم يفارقه.
اسباب طول الامل وكثرة التمني :
أن قصر الأمل والزهد في الأماني سبب في صلاح ذلك الجيل الطاهر من أول هذه الأمة رضي الله عنهم , قال النبي صلى الله عليه وسلم "صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل".
إن طول الأمل مصائد إبليس اللعين، يقذفها في طريق ابن آدم، فيأسره بها ليتحكم بعدها في أمره كما يشاء، قال بعض الحكماء: "الأمل سلطان الشيطان على قلوب الغافلين".
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم ( المؤمن كيس فطن والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الاماني )
وقال الفضيل بن عياض -رحمه الله "إن من الشقاء طول الأمل، وإن من النعيم قصر الأمل".
وقال محمد بن واسع رحمه الله "أربع من علم الشقاء: طول الأمل، وقسوة القلب، وجمود العين، والبخل".
كم ركنا إلى الأماني وغرورها؟ وكم فتنتا الآمال دهراً طويلاً؟ فما الذي وجده أهل الآمال الطوال هل أدركوا أمانيهم؟ هل أدركوها كاملة؟ هل حصلوا أحلامهم والتي لطالما لاعبت خيالهم؟ وإن أدركوها هل أدركوها صافية خالية من الأكدار؟ وهل دام معهم ما أدركوه؟ وهل وقفت أنفسهم عنده فقنعوا ولم يحدثوا أنفسهم بآمال أخرى؟.
ألا ترون ما في القلوب من قسوة وغفلة، لا الوعيد يخوفها، ولا الوعيد يصلحها؛ كسولة إذا دعيت إلى الطاعات، نشيطة خفيفة إذا دعيت إلى الشهوات.
فكم منينا هذه النفس؟ وكم علقناها بالآمال العراض؟ ولكن هل حاسبناها هل سألناها ماذا تريدين من هذه الآمال؟ أتريدين بها وجه الله والدار الآخرة أم تريدين بها الركون إلى الدنيا دار الغرور؟ بل هل ذكرناها وسألناها: أما تدرين يا نفس أن الأجل بالمرصاد، فقد يأخذكِ قبل تحقيق آمالك؟
وما أكثر هذا يا عباد الله فكم الذين بنوا بيتا لم يسكنوه ؟ وكم من منتظر قدوم قريبٍ أو صديق له من سفره فما رآه؟ وكم من جامع للمال وما تهنأ به؟
"كم من مستقبلٍ يوماً لا يستكمله ، ومنتظر غداً لا يبلغه،
ولو تنظرون إلى الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره".
إنه داء طول الأمل، وبئس طول الأمل، فيتولد من طول الأمل -: الكسل عن الطاعة، والتسويف بالتوبة، والرغبة في الدنيا، والنسيان للآخرة، والقسوة في القلب؛ لأن رقة القلب وصفائه إنما تقع بتذكر الموت، والقبر والثواب والعقاب، والجنة والنار، وأهوال القيامة والصراط،
يقول تعالى ( فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )
فكم أفسد طول الأمل من قلوب؟ وكم دنس أقواماً في الذنوب؟
قيل لشاب: تب إلى الله عز وجل، وأقلع عما أنت فيه، فإنك لا تدري متى سيكون أجلك، فقال: إن جدي توفي وعمره تسعون سنة، وإن أبي توفي وعمره سبعون سنة، وأنا إذا بلغت الأربعين سنة، سوف أتوب، وماهي إلا ساعات وملك الموت قد نزع روحه.
ما علم المسكين أنه لم يبق من عمره إلا ساعات.
فيا من أطلت الأمل، وسوفت بالتوبة: الموت لا يعرف الصغير ولا الكبير، ولا الغني ولا الفقير، ولا المريض ولا الصحيح، الموت يأتي بغتة؛ يأتي دون استئذان، أو موعد، فمن يستطيع تأجيل، أو رد الموت إذا جاءه، ومن يستطيع معرفة ساعة موته،
كلنا قد أيقن بالموت، وقليل من يستعد له، وكلنا قد أيقن بالجنة، وقليل من يعمل لها، وكلنا قد أيقن بالنار، وقليل من يخاف منها،
سيروا إلى الله ربكم سيراً جميلا،
أليس من العجب أن تفنى الأعمار، وتنقضي الآمال، فكل يومٍ له أمل، وكل شهرٍ له أمل، وكل سنةٍ لها أمل، وهكذا يحيا صاحب الآمال في رحلة لا نهاية لها، قال بعض الحكماء: "كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره، كيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله، وتقوده حياته إلى موته؟".
إن المؤمن الصادق لا يشغله إلا الجد، وإن المؤمن الصادق لفي شغل عن الآمال والأماني.
إن المؤمن الصادق لفي مجاهدة دائمة مع نفسه.
إن المؤمن الصادق هو الذي إذا أصبح قال لهواه: تأخر، وقال لطاعة ربه ومولاه: تقدمي.
المؤمن لا تلقاه إلا في ثلاث خلال: في مسجد يعمره، أو بيت يستره، أو حاجة من أمر الدنيا، احلها الله له".
ما أطال أحد أمله إلا وندم وتحسر ، وما قصر أحد أمله إلا نجى وفاز وعمل واجتهد
ومن قصر أمله أكرمه الله تعالى أن يقويه على الطاعات.
و تقل همومه؛ لأنه إذا علم أنه يموت عن قريب لا يهتم بما يستقبله من المكروه.
و يجعله راضياً بالقليل؛ لأنه إذا علم أنه يموت عن قريب، فإنه لا يطلب الكثير، وإنما يكون همه هم آخرته. وأن ينور قلبه".
ومن أطال آماله عاقبه الله أن يتكاسل عن الطاعات، وأن تكثر همومه في الدنيا، وأن يصبح حريصاً على الدنيا، وجمع المال فيها، وأن يقسو قلبه.
اكثر الناس يتحسر على عمره فيقول عمري اربعين سنة او ثلاثين ماذا عمل في الدنيا هل بنيت بيت هل اشتريت سياره هل ......
إن الدنيا أهون من أن يتعلق بها قلب العبد، ليفنى عمره في اللهث خلفها، فإذا فاته شيء منها اغتم وحزن، واذا فاتته الطاعة وامور الآخرة لم يحزن
قال أحد الصالحين "الدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة، فكيف بغم العمر؟".
فالفوز كل الفوز، والسعادة كل السعادة: أن ننجوا من النار، وندخل الجنة، يقول تعالى ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ )
هذه حقيقه الدنيا
والله
احسن من رائع
ردحذف