شرح اسم الله 《 الرزاق》
ضمن سلسله شرح موقع التفسير في علوم القران الكريم
من أسمائه سبحانه (الرزّاق) ورد اسم الله الرزاق مفردًا مرة واحدة في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}
وهذا الاسم ثبت بكتاب الله كما في قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } وورد بصيغة الجمع خمس مرات منها قول الله تعالى {وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} وقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}
(الرزّاق) مبالغة من رازق للدلالة على الكثرة، فمعنى الرزاق الكثير الرزق لعباده الذي لا تنقطع عنهم أمداده وفواضله طرفة عين، ولا يُسمى غيره رازقا، كما لا يسمى غيره خالقا، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} فالأرزاق كلها بيد اللّه وحده، فهو خالق الأرزاق والمرتزقين وموصلها إليهم وخالق أسباب التمتع بها، فالواجب نسبتها إليه وحده وشكره عليها فهو موليها وواهبها.
الرزاق هو المتكفل بالرزق والقائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها وسع الخلق كلهم رزقه ورحمته، فلم يختص بذلك مؤمناً دون كافر ولا ولياً دون عدوٍ يسوقه إلى الضعيف الذي لا حيل له ولا مُكتسب فيه كما يسوق إلى الجلد القوي ذي المرة السوي، قال سبحانه: {وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لاَ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} وقال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا}[هود: 6].
ماهي انواع رزق الله للعباد؟
الأول: رزق عام شمل البر والفاجر والأولين والآخرين وهو رزق الأبدان.
ثانياً: رزق خاص: وهو رزق القلوب وتغذيتها بالعلم والإيمان والرزق الحلال الذي يعين على صلاح الدين، وهذا خاص بالمؤمنين على مراتبهم منه بحسب ما تقتضيه حكمته ورحمته. وهو رزق القلوب بكنوز الإيمان وثروات الطاعات البدنية والقلبية، فإن القلوب في غاية الافتقار إليهما، وهذا الرزق لا يناله إلا الأبرار؛ وإن كانوا أفقر الناس مالاً وأرقُّهم حالاً
ويلخّص الإمام ابن القيم هذين النوعين بقوله في النونية:
وكذلك الرزاق من أسمائه**والرزق من أفعاله نوعان
رزق القلوب العلم والايمان*والـرزق المعد لهذه الأبدان
فينبغي للعبد إذا دعا ربه في حصول الرزق أن يستحضر بقلبه هذين الرزقين، ومن هنا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الكفر والفقر، فالكفر ذهاب رزق الدين وهو الأخطر، والفقر ضياع رزق الدنيا.
فإذا رزق اللَّه العبد العلم النافع والإيمان الصحيح والرزق الحلال والقناعة بما أعطاه اللَّه منه فقد تمت أموره واستقامت أحواله الدينية والبدنية، وهذا النوع من الرزق هو الذي مدحته النصوص النبوية اهـ. ولذلك روى مسلم في صحيحه من حديث عبد اللَّه بن عمرو ابن العاص رضي اللهُ عنه أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ»
وهذا أعظم رزق يمن اللَّه به على العبد، قال عبد اللَّه بن مسعود رضي اللهُ عنهما: «إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاَقَكُمْ، كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ، وَمَنْ لاَ يُحِبُّ، وَلاَ يُعْطِي الدِّينَ إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ» .
لماذا سمى الله نفسه خير الرازقين ؟
* لأن الله سبحانه خير من رزق، وأفضل من أعطى.
* ولأن رزق الله باعتبار إفادته للعبد وشدة احتياج العبد له هو خير الأرزاق على الإطلاق.
* ولأن الله يرزق من آمن به وعبده، ومن كفَرَ به وجَحَده، ويعطي من سأله، ومن لم يسأله.
* ولأن ( خير الرازقين )هو من ينفق من خزائن لا تفنى، بل ولا ينقص منها شيء مهما أُنفِق منها
* ولأن ( خير الرازقين ) يرزق الخلق بأصول الرزق من تربة، وماء، وهواء، وبذور، وهم يسخِّرونها زراعة وحرثًا وتصنيعًا؛ لتخرج إليك الأطعمة والآلات التي تنتفع بها، ولو حرم الله الخلق من أصول رزقه، لما وصل إليهم من أرزاقهم شيءٌ.
* ولأن ( خير الرازقين )وحده من يُخرِج الرزق من العدم، وأما غيره فما هم إلا وسطاء في توصيل رزقه، وإنما أُطلِق عليهم رازقين على سبيل المجاز.
*ولأن ( خير الرازقين ) يُعطي عطاءًا لا يدخله عَدٌّ، ولا يحويه حَدٌّ.
* ولأن ( خير الرازقين )يعلم ما يُصلِح كل عبدٍ من رزقٍ وما يفسده، فيعطيه ما يعلم أنه يناسبه.
* ولأن ( خير الرازقين ) يَسْخَط ومع ذلك لا يقطع رزقه! وأما المخلوق فإذا سخِط قطع رِزقَه.
* ولأن ( خير الرازقين )لا يؤخر رزقه عن وقت الحاجة، ولا ينغِّصه عليك بطلب المقابل.
*عبد الله رزقك من أين؟ قيل لحاتم الأصم: من أين تأكل؟ فقال: من عند الله، فقيل له: الله ينزل لك دنانير ودراهم من السماء!؟ فقال: كأن ماله إلا السماء! يا هذا، الأرض له والسماء له، فإن لم يؤتني رزقي من السماء؛ ساقه لي من الأرض، ثم أنشد:
وكيف أخاف الفقر والله رازقي ورازق هذا الخلق في العسر واليسر
تكفَّل بالأرزاق للخلق كلهم وللضبِّ في البيداء والحوت في البحر .
* إن أرزاق العباد ليست مرتبطة بمواهبهم العقلية, ولا بقوتهم البدنية, بل ترتبط بقضاء الله, الذي تخفى عنا أسراره. ولقد أحسن من قال:
فلو كانت الأرزاق تجري على الحجا هلكن إذاً من جهلهن البهائم
*أولا رزقك قديم، وليس بحديث: قال عبد الله بن عمرو بن العاص : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كتَبَ الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة . » رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو
*رزقك يطلبك! «إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله » رواه الطبراني عن أبي الدرداء كما في صحيح الجامع فهل رأيت أحدًا قطُّ نجح في الهروب من الموت؟! فكذلك لن يفلح أحدٌ في الهروب من الرزق، وهو تعبير نبوي بلاغي معجز! فقد تركض خلف رزقٍ لتدركه، وربما طلبك الرزق كذلك، لكنكما لن تلتقيا أبدًا إلا أن يشاء الرزاق.
*رزقك في السماء: قال تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون) وهي آية تشير إلى فائدتين عظيمتين:
الأولى: أن رزقك في السماء، فلا تذِلَّ نفسك لمن في الأرض. الثاني: أن ما عند الله لا يُبتغى إلا بطاعته. قال القشيري: « في السماء رزقكم، وإلى السماء يُرفع عملكم، فإن أردت أن ينزل عليك رزقك، فأصعِد إلى السماء عملك؛
ثم أقسم الله على هذا، فما الذي أحوجه إلى القسَم؟! وما هذا إلا لينزع الشك من قلوب المتردِّدين، ويغرس اليقين في قلوب المرتابين:( فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) قال بعض الحكماء: «كما أن كل إنسان ينطق بنفسه ولا يمكنه أن ينطق بلسان غيره، فكذلك كل إنسان يأكل رزقه، ولا يمكنه أن يأكل رزق غيره »
* من معاني الرزاق أنه خلق الأرزاق ، كم من الدواب يذبح كل يوم على مستوى الأرض ؟ مليارات ، هذا رزق العباد، كم من أطنان القمح ينتج كل عام .من صمم القمح ليكون غذاء كاملاً ؟ من صمم هذه البقرة ؟ إنها معمل صامت رائع ، تأكل الحشيش فتعطيك الحليب ، من صمم الدجاجة تأكل كل شيء فتعطيك البيضة ؟ من صمم هذه الفواكه والثمار ؟ هذه الخضراوات ؟ من جعل هذه المواد متوافقة أتم التوافق مع بنية الإنسان ؟ هذا تصميم من ؟ لذلك أيها الإخوة ، قال تعالى : " فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ " [عبس:24] .
فتأمل كيف يرزق الله الجنين في بطن أمه خلال الحبل السري الذي يوصل اليه الرزق ويحفظ قوته وحياته
فعلى العبد أن يجمل في الطلب وأن يقتصد ويرضى باليسير إن الإنسان إذا كان آمنا في بيته معافى في بدنه فإنه يجد أثر الطعام والشراب ولذتهما ولذت الحياة الشيء الكثير
فإذا رزق الانسان طعاما يشبعه ولباسا يواري سوأته وشرابا يروي ظمأه وسكنا يأوي إليه فإن هذا من أعظم النعم
خبز وماء وظل ذاك النعيم الأجل
كفرت نعمة ربي إن قلت إني مقل
إن رزق الله تبارك وتعالى عظيم ومن رزقه العافية والعقل والطعام والشراب والولد والمال والجاه والجمال والشباب والقوة والفتوة والطبيعة والإلهام
تأمل كيف يرزق الله سبحانه وتعالى الثعبان في جحره تأمل كيف يرزق الله الطير في وكره تأمل كيف يرزق الله السمك في بحره
تأمل كيف يرزق من التمساح وهو حيوان ضخم هائل يأكل بعض الحيوانات الكبيرة بشراهة وتوحش ومع ذلك مكن الله سبحانه وتعالى العصفور ليدخل في فم التمساح ويأخذ بقايا الطعام من بين اسنانه ليقتات بها والتمساح يدعه يدخل ويخرج لا يعرض له فانظر هذا العقد والتعاون العجيب بين التمساح الضخم والعصفور الصغير وكيف جعل الله تبارك وتعالى رزق العصفور من بين اسنان التمساح هذه عبرة لكل عبد يعلم أن رزق الله سبحانه وتعالى لا تدفعه كراهية كاره ولا يجلبه حرص حريص وأن الامر مكتوب عند الله سبحانه وتعالى
فلو كانت الأرزاق تجري بقوة لما رزق العصفور شيئاً مع النسر
ولكنما الأرزاق تجري بحكمة فيرزق العصفور والنسر لا يدري
ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا) رواه الترمذي وابن ماجة وابن حبان
لكسرة من رخيص الخبز تُشْبِعُنِي وشربة من قراح الماء ترويني
وخرقة من زهيد الثوب تسترني حيا وإن مت تكفيني لتكفيني
ولا أردد في الأبواب مضطهدا كما يردد ثور في الفداديني
لأجعلن حياة قد فتنت بها فداء عرضي والدنيا فدا ديني
إنك تشرب الماء وتستنشق الهواء وتسير على قدميك وتسمع بأذنيك وترى بعينيك وتدرك بعلقك وتستمتع بكل هذه النعم العظيمة سواء وعيت ذلك أم لم تعه سواء كنت يقضانا أم نائما غافلا لاهيا أم مقبلا واعيا فكل هذا بعض رزق ربك
مالي وللأغنياء وأنت يا * ربي الغني ولا يحد غناكا
مالي ومال الأقوياء وأنت يا* ربي ورب الناس ما أقواكا
مالي وأبواب الملوك وانت من*خلق الملوك وقسم الأملاكا
فليرض عني الناس أو فليسخطوا*أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
هذا اسم واحد من اسماء الله الحسنى وكل هذا الكلام مجرد في اسم واحد من اسماء الله الحسنى يجب ان نستشعر عظمة الله في قلوبنا وكل هذه الصفات فية وان نعبد الله على علم ويقين وعقيدة صحيحة لاتخالطها غش او استهزاء او نقص او زياده ،
والله والي التوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة
تعليقات: (0) إضافة تعليق