قيمة الانسان في الدين الاسلامي الحمد لله رب العالمين والصلاه والسلام على اشرف خلق الله محمد بن عبد الله الصادق الامين : اما بعد:
الإسلام دين الإنسانية الحقَّة، الإنسانية التي تَنطلق من العقيدة الإسلامية، وتتعامل وَفْقَ الخُلقِ الإسلاميِّ القويم، إنسانية هذا الدين -عبادَ الله- تَعمُّ كلَّ البشر، لا تُفرِّق بين أسودَ وأبيض، ولا تتغير وفق المصالح والأهواء، ولا تَتبدَّل حسب القوة والسلطان، كما نراه في واقعنا اليوم من أدعياء الإنسانية المزيَّفة التي يَتشدقون بها أمام العالمين، وهم يَحتكرونها لبني جنسهم ولأهل مِلَّتهم. يتساءل المرءُ منا عن سرِّ ذلك الفرح الغامر والبشر الذي يَملأ مُحَيَّا رسولِ الله -عليه الصلاة والسلام- وهو يُردِّد فرحًا: "الحمد لله الذي أنقذه بي من النار"، ثم هو يَعقدُ له عقدة الأخوة الإيمانية مع أصحابه، ويُحمِّلهم مسؤولية العناية بجنازته، ويقول: "صلوا على أخيكم"، فهذا الفتى لم يُعطِ مالاً، ولم يَحملْ سلاحًا، ولم يُؤدِّ أيَّ عملٍ لهذا الدين، ولم يَكد يُسلم حتى مات من فوره، وما هذا الفرحُ الرحيم إلا دَلالةٌ واضحةٌ على حقيقة حِرص رسولِ الإنسانية -عليه الصلاة والسلام- على هِداية البشر، لا لشيءٍ إلا لينجوَ من النار، فقد كان قلبه يَحترق ألمًا لمن يُعرض عن دعوته، حتى قال له ربُّه: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) وإليكم ذلك الموقفَ النبوي الذي تَتجلَّى فيه إنسانية هذا الدين العظيم في شخص المصطفى -صلوات ربِّي وسلامه عليه-؛ حيث كان فَتًى يهوديٌّ يخدم النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- فيضع له وضوءَه، ويناوله نعلَه، ويَقضي حوائجه، ويتفقَّده النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- يومًا فيُخبرُ بمرضه، فيأتيه ويزوره ويدنو منه ويجلس عند رأسه، وأبو الغلام جالس قُبَالةَ وجهه، والنبي الكريم يَنظر نظرةَ المشفِق الرحيم للفتى، وهو يُودِّع الدنيا ويستقبل الآخرة، فيقْبلُ -عليه الصلاة والسلام- بكلِّ شَفقَةٍ ورحمة وأمل، ويَهتف به لما هو أحوج إليه في هذه اللحظة، فيدعوه للإسلام، ويقول: "أسلم، قل: لا إله إلا الله وإني رسول الله". ويَتلقَّى الفتى ذلك النداء الرحيم، وهو الذي خَدم النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- وعرفَ من حاله ما تيقن أنها حال الأنبياء، ولكنه لا يَزال مأمورًا لسلطة أبيه، فجعل يقلِّب ناظريه لأبيه تارةً وللنبيِّ -عليه الصلاة والسلام- تارةً، وإذا بالنبيِّ -عليه الصلاة والسلام- يُعيد عليه مَقالته ويكرِّر له نداءه، وكأنه يُسابق اللحظات الأخيرة في حياة الفتى، ويكرِّر الفتى نظره لأبيه، وإذا بالأبِ يقول له: أطعْ أبا القاسم، قل ما يقول لك محمدٌ، وما أن أتمَّ الأب عبارته، وإذا بالفتى يردِّد الشهادة وهو يَجود بنفسه ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، استكمل الشهادة واستكمل بها أجله ولفظ أنفاسه، ويَخرج النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- من عنده مُستبشرًا بهداية الغلام وبخاتمته الحسنة، ويقول لأصحابه: "الحمد لله الذي أنقذه بي من النار"، ثم أمرهم، وقال: "صلُّوا على أخيكم". السماحة والإنسانية مع الخَلقِ كلِّهم والحرص على هدايتهم لا تَعني حبَّهم، وحبَّ ما هم عليه من الكفر، أو تقديمهم على المسلمين، وكذلك لا تعني مشابهتهم، فقد أُمِرنا بمخالفتهم؛ "خالفوا اليهود والنصارى"، ومما يَقع فيه بعضُ جُهَّال المسلمين -هداهم الله-: حضور أعيادِ الكفار، أو تهنئتهم بها. # إن هذا الموقفَ النبيل الجميل ليكشفُ جوانب الإنسانية الحقَّة في شخص رسولِ الله -عليه الصلاة والسلام-؛ فهو يكشفُ عن حقيقة نفسِ المؤمن تِجاه البشر، بل الكفار منهم واليهود؛ فقد قَبِلَ -عليه الصلاة والسلام- أن يَخصَّ هذا الفتى اليهوديَّ بخدمته، ذلك الشرف الذي كانت تَرنو إليه قلوبُ الصحابة -رضوان الله عليهم-، ثم هو يَتفقَّدهم ويزورهم، ويَقبلُ زياراتهم؛ ليبيِّنَ أن الأصلَ في علاقة المسلمين بغيرهم هي علاقة صِلة وتَعارف ودعوة؛ كما قال -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) وإن ذلك التعارفَ وتلك الصِّلة هي أقصرُ وأفضل طريق للدعوة إلى هذا الدين، كم من شعوبٍ وأمم دخلتْ هذا الدين بحُسنِ المعاملة وطِيبِ المعاشرة!! كما كان يَطير قلبه فرحًا حين يَستجيب أحدٌ لدعوته، تلك الرحمة والشَّفقة، وذلك الحرصُ والاهتمام على هداية البشرِ هي حقيقة الدعوة الإسلامية وحقيقة الداعية المسلم، هدايةُ البشر غايتهم، والرحمة والشفقة سبيلُهم، ودعوة البشر ديدنهم، كما هو حال نبيهم -عليه الصلاة والسلام- حين زارَ الفتى وظَهرَ منه سُموُّ التواضع، وحُسنُ العهد، ولينُ الجانب، ولُطف الترفُّق، والحرص على هدايته وإيمانه، فصلواتُ ربي وسلامه عليه، رزقنا الله وإياكم صِدقَ محبَّته واتِّباعه، وحشرنا في زمرته. هذا هو االدين الحنيف والرحمة للعالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق
تعليقات: (0) إضافة تعليق